فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (43):

{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)}
{الكاذبين}
(43)- لَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْكَ، يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، فِيمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُكَ مِنَ الإِذْنِ لَهُمْ بِالْقُعُودِ حِينَ اسْتَأَذَنُوكَ، فَهَلا تَرَيَّثْتَ فِي الإِذْنِ لَهُمْ، وَتَوَقَّفْتَ عَنْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ أَمْرُهُمْ، وَيَنْجَلِيَ وَضْعُهُمْ، فَتَعْرِفَ الصَّادِقِينَ مِنْهُمْ وَالكَاذِبِينَ فِي اعْتِذَارِهِمْ، فَتُعَامِلَ كُلاًّ بِمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامَلَ بِهِ؟

.تفسير الآية رقم (44):

{لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)}
{يَسْتَأْذِنُكَ} {الآخر} {يُجَاهِدُواْ} {بِأَمْوَالِهِمْ}
(44)- لا يَسْتَأْذِنُكَ، فِي القُعُودِ عَنِ الجِهَادِ، أَحَدٌ يٌؤْمِنُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، لأنَّهُمْ يَرَوْنَ الجِهَادَ قُرْبَةً إِلَى اللهِ، وَإِذَا نَدَبَهُمُ النَّبِيُّ إِلَيْهِ بَادَرُوا مُمْتَثِلِينَ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَنْ هُمُ الْمُتَّقُونَ الذِينَ يَخْشَوْنَ اللهَ، وَيَطْلُبُونَ مَرْضَاتِهِ، وَيُعِدُّونَ لِلْجِهَادِ عُدَّتَهُ.

.تفسير الآية رقم (45):

{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}
{يَسْتَأْذِنُكَ} {الآخر}
(45)- وَلَكِنَّ الذِينَ يَسْتَأْذِنُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فِي القُعُودِ عَنِ الجِهَادِ، وَلا عُذْرَ لَهُمْ، هُمُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِاليَوْمِ الآخِرِ، وَلا يَرْجُونَ ثَوَابَ اللهَ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَإِنْفَاقِهِم الْمَالَ فِيمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ الإِسْلامُ، وَقَدْ شَكَّتْ قُلُوبُهُمْ فِي صِحَّةِ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، فَهُمْ يَتَحَيَّرُونَ، وَيَتَرَدَّدُونَ مُتَشَكِّكِينَ.
يَتَرَدَّدُونَ- يَتَحَيَّرُونَ.

.تفسير الآية رقم (46):

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)}
{القاعدين}
(46)- وَلَوُ أَنَّهُمٍ أَرَادُوا الخُرُوجَ مَعَكَ إِلَى الجِهَادِ، وَصَحَّتْ نِيَّتُهُمْ لِلْخُرُوجِ مَعَكَ، لَكَانُوا تَأَهَّبُوا لَهُ، وَأَعَدُّوا الحَرْبَ وَالسَّفَر، وَلَكِنَّ اللهَ كَرِهَ خُرُوجَهُم مَعَكَ، فَثَبَّطَهُمْ، وَثَنَى عَزَائِمَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ لَهُمْ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ مِنَ النِّسَاءِ وَالأَطْفَالِ وَالمَرْضَى وَالْعَجَزَةِ وَالشُّيُوخِ.
انْبِعَاثَهُمْ- نُهُوضَهُمْ لِلْخُرُوجِ مَعَكَ.
فَثَبَّطَهَمْ- فَحَبَسَهُمْ وَعَوَّقَهُمْ عَنِ الخُرُوجِ مَعَكُمْ.

.تفسير الآية رقم (47):

{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}
{خِلالَكُمْ} {سَمَّاعُونَ} {بالظالمين}
(47)- يُبَيّنُ اللهُ تَعَالَى فِيِ هَذِهِ الآيَةِ أَسْبَابَ كَرَاهِيَتِهِ لِخُرُوجِ هَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ إِلَى الجِهَادِ مَعَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ المُسْلِمِينَ لَزَادُوهُمُ اضْطِرَاباً وَضَعْفاً (خَبَالاً) لأَنَّهُمْ جُبَنَاءُ مَخْذُولُونَ، وَلأَخَذُوا بِالسَّعْيِ بَيْنَكُمْ فِي الدَّسِّ وَالنَّمِيمَةِ وَإِثَارَةِ الْفِتْنَةِ، وَيُوجَدُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ مَنْ يَتَأَثَّرُ بِهِمْ، وَيَسْتَمِعُ إِلَى قَوْلِهِمْ، مِنْ ضِعَافِ الإِيمَانِ، وَضِعَافِ العَزَائِمِ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى وُقُوعِ الشَّرِّ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ. وَاللهُ يَعْلَمُ الظَّالِمِينَ، وَمَا يُبَيِّتُونَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ لَوْ خَرَجُوا مَعَهُمْ إِلَى الغَزَاةِ.
خَبَالاً- شَرّاً وَفَسَاداً، أَوْ عَجْزاً وَضَعْفاً.
لأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ- لأَسْرَعُوا بَيْنَكُمْ بِالدَّسِّ وَالوَقِيعَةِ وَالنَّمِيمَةِ لإِفْسَادِ مَا بَيْنَ المُسْلِمِينَ مِنْ رَوَابِطِ الأُخُوَّةِ.
يَبْغُونَكُمْ الفِتْنَة- يَطْلَبُونَ لَكُمْ مَا تُفْتَنُونَ بِهِ.

.تفسير الآية رقم (48):

{لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)}
{كَارِهُونَ}
(48)- يُحَرِّضُ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ فَيَقُولُ لَهُ: لَقَدْ أَعْمَلُوا رَأَيَهُمْ فِي الكَيْدِ لَكَ، وَلأَصَحَابِكَ وَلِدِينِكَ، مُدَّةً طَوِيلَةً، فِي بَدْءِ مَقْدَمِكَ إِلَى المَدِينَةِ، وَتَأَلَّبَ عَلَيْكَ أَهْلُ الشِّرْكِ، وَالمُنَافِقُونَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَيَهُودُ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا نَصَرَكَ اللهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَعْلَى كَلِمَةِ الإِسْلامِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ لِجَمَاعَتِهِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ. فَدَخَلُوا فِي الإِسْلامِ ظَاهِراً، وَكَانُوا كُلَّمَا زَادَ اللهُ الإِسْلامَ عِزَّةً، زَادَهُمْ ذَلِكَ غَيْظاً وَحَنْقاً. وَقَدِ ابْتَغَى هَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ إِثَارَةَ الفِتْنَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَفْرِيقَ شَمْلِهِمْ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الغَزْوَةِ، فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، حِينَ اعْتَزَلَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ الجَيْشِ، وَصَارَ يَقُولُ: أَطَاعَ النَّبِيُّ الْوِلْدَان وَمَنْ لا رَأَيَ لَهُ، فَعَلامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا؟
قَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ- دَبَّرُوا لَكَ المَكَايِدَ وَالحِيَلَ.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)}
{بالكافرين}
(49)- وَمِنَ المُنَافِقِينَ مَنْ يَقُولُ لَكَ (وَهُوَ الجَدُّ بْنُ قَيْسٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ المُنَافِقِينَ): ائْذَنْ لِي فِي القُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ عَنِ الجِهَادِ، لأَنَّنِي إِذَا خَرَجْتُ مَعَكَ، أَخَافُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَفْتَتِنَ بِنِسَاءِ الرُّومِ (بَنِي الأَصْفَرِ)، إِذَا رَأَيْتُهُنَّ. وَيَقُولُ تَعَالَى: لَقْدَ سَقَطَ هَؤُلاءِ فِي فِتْنَةٍ أَعْظَمَ بِاعْتِذَارِهِمْ بِمَعَاذِيرَ كَاذِبَةٍ، وَبِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ، وَبِالرَّغْبَةِ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ. وَيُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى النَّاسَ أَنَّ جَهَنَّمَ مُحِيطَةٌ بِالكَافِرِينَ الذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ، وَيُكَذِّبُونَ رَسُولَهُ، وَهِيَ جَامِعَةٌ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، وَلا مَحِيصَ وَلا مَهْرَبَ، وَكَفَى بِهَا نَكَالاً وَوَبَالاً.
ائْذَنْ لِي- أَيْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الجِهَادِ.
لا تَفْتِنِّي- لا تُوقِعْنِي فِي الإِثْمِ بِمُخَالَفَةِ أَمْرِكَ.

.تفسير الآية رقم (50):

{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}
(50)- وَهَؤُلاءِ تَسُوؤُهُمْ أَيَّةُ حَسَنَةٍ أَوْ نَصْرٍ أَوْ فَتْحٍ يُصِيبُهُ الرَّسُولُ وَالمُسْلِمُونَ، وَإِذَا أَصَابَتِ الرّسولَ وَالمُؤْمِنِينَ مُصِيبَةٌ، أَوْ شِدَّةٌ، يَقُولُونَ قَدِ احْتَظْنَا لأَمْرِنَا، وَأَخَذْنَا حِذْرَنَا إِذْ تَخَلَّفْنَا عَنِ القِتَالِ، وَلَمْ نُلْقِ بَأَيْدِينَا إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَيَنْقَلِبُونَ إِلَى أَهْلِهِمْ فَرِحِينَ بِمَا اجْتَنَبُوهُ مِنَ المَصَائِبِ، وَبِالشَّمَاتَةِ بِالنَّبِيّ وَالمُسْلِمِينَ.

.تفسير الآية رقم (51):

{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
{مَوْلانَا}
(51)- قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلاءِ الذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُ المُسْلِمِينَ مِنَ المَصَائِبِ، وَتَسُوؤُهُم النِّعْمَةُ الَّتِي تُصْيبُ المُسْلِمِينَ: نَحْنُ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَمَا قَدّرَهُ لَنَا سَيَأْتِينَا، وَلَيْسَ لَهُ مَانِعٌ وَلا دَافِعٌ. وَنَحْنُ مُتَوَكّلُونَ عَلَى اللهِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فَلا نَيْأسُ عِنْدَ الشِّدَّةِ، وَلا نَبْطَرُ عِنْدَ النِّعْمَةِ.

.تفسير الآية رقم (52):

{قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)}
(52)- وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: هَلْ تَتَرَبَّصُونَ بِنَا، وَتَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقَعَ لَنَا، إِلا وَاحِدَةٌ مِنِ اثْنَتَيْنِ: وَكِلْتَاهُمَا خَيْرٌ لَنَا وَفِيهِمَا حَسَنَةٌ: شَهَادَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ ظَفْرٌ. أَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا نَنْتَظِرُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ عَذَابُ اللهِ، أَوْ أَنْ يُسَلِّطَنَا عَلَيْكُمْ رَبُّكُمْ فَنُذِيقَكُمْ بَأْسَنَا.
هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا- مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَا؟
الحُسْنَيَيْنِ- النَّصْرِ أَوِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (53):

{قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)}
{فَاسِقِينَ}
(53)- وَقُلْ لِهَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ الذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَسْتُرُوا نِفَاقَهُمْ بِإِنْفَاقِ المَالِ فِي الجِهَادِ وَغَيْرِهِ: مَهْمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَة طَائِعِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْكُمْ ذَلِكَ، لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ مُتَشَكِّكِينَ خَارِجِينَ عَنِ الإِيمَانِ، وَاللهُ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الأَعْمَالَ مِنَ المُؤْمِنِينَ المُخْلِصِينَ.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)}
{نَفَقَاتُهُمْ} {الصلاة} {كَارِهُونَ}
(54)- وَيُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ سَبَبَ عَدَمِ تَقَبُّلِهِ نَفَقَاتِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَلا يُؤَدُّونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى لا حَمَاسَةَ لَهُمْ فِي أَدَائِهَا، وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً فِي مَصَالِحِ الجِهَادِ وَغَيْرِهَا إِلا وَهُمْ كَارِهُونَ. وَبِمَا أَنَّ الأَعْمَالَ لا تَصِحُّ إلا بِالإِيمَانِ، وَبِمَا أَنَّ هَؤُلاءِ لا إِيمَانَ لَهُمْ، لِذَلِكَ لَنْ يَقْبَلَ اللهُ مِنْهُمْ نَفَقَةً وَلا عَمَلاً.

.تفسير الآية رقم (55):

{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}
{أَمْوَالُهُمْ} {أَوْلادُهُمْ} {الحياة} {كَافِرُونَ}
(55)- فَلا يُعْجِبْكَ مَا تَرَاهُمْ فِيهِ مِنْ وَفْرَةِ المَالِ، وَكَثْرَةِ الأَوْلادِ، وَرَفْهِ الحَيَاةِ، فَإِنَّ اللهَ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِيمَا أَعْطَاهُمْ بِمَا يَنَالُهُمْ بِسَبَبِهَا مِنَ التَّنْغِيصِ وَالحَسْرَةِ، وَذَلِكَ بِالْكَدِّ وَالْعَنَاءِ فِي جَمْعِهَا، وَاكْتِسَابِهَا، ثُمَّ بِإِجْبَارِهِمْ عَلَى دَفْعِ الزَّكَاةِ مِنْهَا، وَالإِنْفَاقِ فِي الجِهَادِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُهُ الإِسْلامُ عَلَيْهِمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ عَلَى الكُفْرِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ نَكَالاً لَهُمْ، وَآلَمَ عَذَاباً فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، فَتَكُونُ الأَمْوَالُ وَالأَوْلادُ اسْتِدْرَاجاً لَهُمْ.
تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ- تَخْرُجَ أَرْوَاحهُمْ.

.تفسير الآية رقم (56):

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)}
(56)- يَتَظَاهِرُ هَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ بِأَنَّهُمْ مِنْكُمْ، لِيَأْمَنُوا بَأْسَكَمُ، وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ كَذِباً أَنَّهُمْ مِنْكُمْ فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ، وَهُمْ فِي الحَقِيقَةِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ، بَلْ هُمْ أَهْلُ شَكٍّ وَنِفَاقٍ، وَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُونَ لَكُمْ، خَوْفاً مِنْكُمْ وَفَرَقاً.
قَوْمٌ يَفْرَقُونَ- أُنَاسٌ يَخَافُونَ مِنْكُمْ فَيُنَافِقُونَ تَقِيَّةً.

.تفسير الآية رقم (57):

{لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
{مَغَارَاتٍ}
(57)- إِنَّ هَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ يَكْرَهُونَ القِتَالَ مَعَكُمْ، وَيُبْغِضُونَ مُعَاشَرَتَهُمْ إِيَّاكُمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَخَافُونَ مِنْ أَنْ يَظْهَرَ لَكُمْ نِفَاقُهُمْ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ الفِرَارَ مِنْكُمْ، وَالعَيْشَ فِي مَكَانٍ يَعْتَصِمُونَ فِيهِ مِنِ انْتِقَامِكُمْ مِنْهُمْ، فَلَوِ اسْتَطَاعُوا السُّكْنَى فِي الحُصُونِ وَالقِلاعِ، أَوْ فِي كُهُوفِ الجِبَالِ وَمَغَارَاتِهَا، أَوْ فِي أَنْفَاقِ الأَرْضِ وَأَسْرَابِهَا، لَوَلَّوْا إِلَيْهَا مُسْرِعِينَ، كَالْفَرَسِ الجَمُوحِ لا يَرُدُّهُمْ شَيْءٌ، وَهُمْ قَدْ أَقَامُوا بَيْنَ أَظْهُرِ المُسْلِمِينَ، مَعَ كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى تَرْكِ عَشِيرَتِهِمْ، وَدُورِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، فَصَانَعُوا المُسْلِمِينَ بِالنِّفَاقِ، وَادِّعَاءِ الإِسْلامِ.
مَلْجأَ- حِصْناً أَوْ مَعْقلاً يَلْجَؤُونَ إِلَيْهِ.
مَغَارَاتٍ- غِيرَاناً فِي الجِبَالِ يَخْتَفُونَ فِيهَا.
مُدَّخَلاً- سِرْباً فِي الأَرْضِ يَنْحَجِرُونَ فِيهِ.
يَجْمَحُونَ- يُسْرِعُونَ فِي الدُّخُولِ إِلَيهِ.